26 يونيو 2015

نامت الذكرى وتشابهت الأيامُ


ويحَ قلبٍ ،، شُيّدت حولهُ قلاعُ أملٍ زائفٍ ،، ينتظرُ عودةَ راحلٍ
بلا سببٍ آثرَ هجرهِ .. بالأمسِ كانَ يشتاقُ لهُ ،، ويعجزُ عن وصفِ
مدى حبهِ ،، واليومَ هوَ عنهُ غائبٌ ،، وقلبهُ لا ينبضُ باسمهِ ،، تنكرَ عنهُ
وتجاهلَ ما كانَ يجمعُ بينهما ،، واتسعت مساحةُ الفراق فصارت كالبحرِ
في غدرهِ ،، وانطفأت نجومُ السماءِ في ليلِ ذاكَ القلبُ الصغيرُ وغفت
جفونُهُ على ذكرى .. ولحنُ حزينٌ وحباتُ لؤلؤٍ بلا بريقٍ تساقطت من عينِهِ ..
بعدَ عامٍ اشتعلَ الشوقُ فأحرقَ بعضاً من نبضاتِ ذلكَ القلبُ الصغيرُ ،، فقالت
صاحبتهُ وهي تُناجي خيالَ حبيبها : نامت الذكرى وتشابهت الأيامُ ،، وحنيني
إليك مازال ثائراً ،، أيُعقل أن أكونَ مكاناً بلا زمان .. وتكونَ طائراً بلا وطن ؟!
وأبقى آخرَ العمرِ بلا أمان .. وتُصبحُ في حياتي وجهاً كباقي الوجوهِ عابراً .. -
وحينَ لم تجدُ جواباً ولا صدى لمناجاتها ،، عاشت سنينَ طويلةً في صمتٍ يُعلنُ
للطبيعةَ والبشرَ من حولها أنها قد رحلت حيثُ لا نورٌ ولا مُتنفسٌ ولا دقاتَ قلبٍ
تُشعرها بوجودها .. مالت بجسدها الناحلُ على حشائشَ ذابلةً في حديقةِ دارها
وفي يدها سُمّاً تُريدُ بهِ أن تُنهي عذاباتها ،، وتمنت لو أن السماءَ قبلَ السُمِّ تُنادي
روحها ،، ولكنها في غمرةِ اليأسِ أدركت حماقةَ عقلها وقالت : كيفَ أكونُ بهذا
الجنون ؟! أمِن أجلِ رجلٍ هجرني وتركني في هذه الدُنيا غريبةً ؟! أهكذا هانت
عليَّ روحي وأصبحت رخيصةً لديَّ نفسي ؟!
سأنسى حُب حياتي وأُشيعُ جنازتهِ وأتركهُ حيثُ مقابرَ اللا وجود ،، وسأضعُ
أزهاراً سوداءَ على قبرِ ذكرياتهِ ..
وفي يومٍ من الأيامِ وبعد أن طالت سنواتُ الهجرِ بين قلبٍ نالَ منهُ الوجدُ وآخرَ
مجهولٌ حالهُ .. دقت أجراسُ الحنين ،، فتفجرت منها ينابيعُ شوقٍ أعادت بينهما
ذكرى لحظاتهما القديمة ،، فقالَ ذاكَ الغائبُ الذي اختارَ الفراقَ : أينَ تلكَ العيونُ
التي كانت تُراقبُ خطواتي خوفاً من أن أتعثر ،، وأينَ ذاكَ القلبُ الصغيرُ الذي كانَ
دوماً يأتِ إليَّ مُتلهفاً ، تُخاطبني بحبٍّ دقاتهُ ؟
ضعفتُ ،، فاتخذتُ الشيطانَ دليلاً ،، وفتحتُ للفراقِ في قلبي سبيلاً ،، وبلا سببٍ
هجرتُ قلباً أحبني بصدقٍ ،، وتركتهُ في الأحزانِ ذليلاً ،، يُناديني .. يُناجيني ..
كنتُ أظنُ أن المشاعرَ في أولِ لحظاتِ الفراقِ تتبدل ،، ويتغيرُ حالُ المحبينَ وقلوبهم
لا تتعذب ،، ولكنني أخطأتُ في ظني ،، رميتُ محبوبتي بسهمَ الهجرِ وبعدَ زمنٍ أصابَ
قلبي فتألم ،، ثم أيقنتُ بأن الحبَ في القلوبِ حينَ يكونُ نابعٌ من أعماقِ الصدقِ يكونُ ثابتاً
كالجبلِ مهما تهزّهُ رياحُ الفراقِ فإنهُ لا يُهزم ..
عادَ بعدَ أن عاتبَ نفسهُ على هجرٍ غيرُ مُبرر ،، فتفاجأ بأن حبهُ لم يزل في قلبها ثابتاً لم
يتبدل ولا لغيرهِ كادَ يتحول ،، فقطع وعداً بأنهُ سيبقى مادامت أنفاسهُ مُحباً لها صادقاً ،،
وعاهدتهُ بأنها إن عادَ للهجرِ لن يكونَ لهُ في قلبها إلا وفاءً وحباً ،، وبعدَ زمنٍ عادَ إليهما
الفراقُ بصورةٍ جديدة ،، تركتهُ هي بأمرٍ من خالقِ القلوبَ والحبَ والفراق ،، فعاشَ وحيداً
حزيناً وسكنَ بالقربِ من القبور ،، يزورها كل صباحٍ ويبقى حتى المساء ،، يتذكرُ عند
قبرها ما كانت تقولُ لهُ من كلماتٍ قبل رحيلها [ كلماتٌ في الحبِ والوفاء ] ..

ليست هناك تعليقات :